الخطبة الثانية الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتَّقين، ولا عدوان إلَّا على الظَّالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيُّها النَّاس، إن للوطن حقوقاً، ومن حقوقه أن يسعى الفرد للحفاظ عليه ويعمل على تنميته وازدهاره، فحب الوطن ليس كلاماً يُلقى؛ بل هو سلوكٌ يظهر من الأفراد في كل مكان وزمان، وحبّه يظهر في احترام قوانينه، والتمسك بوحدته، والمحافظة على منشآته، والاهتمام ببهائه ونظافتِه | |
---|---|
واذا كانت محبة الوطن غريزية و اسلامية فان كراهية الوطن مخالفة للغريزة و الفطر و مخالفة للدين | الخاطرة الرابعة للوطن وبالوطن نكون، أطفال نشأنا وترعرعنا، وطلاب درسنا وسهرنا، وموظفون أينما كنا، حملنا أمانة العمل، ورفعة، وتقدم الوطن، بإخلاص ومثابرة، وإخلاص أمام الله في أقوالنا وأفعالنا وأعمالنا، إخلاصاً أمام كل ما يرتبط بوطننا |
هو جدار الزمن الذي كنا نخربش عليه بعبارات بريئة لمن نحب ونعشق | فلمّا، وقد غيّر طريقه خوفًا من أن يجده كفار قريش، فلمّا مرَّ بطريق مكة المكرمة غلبه الشوق إلى وطنه، فقال له جبريل -عليه السلام-: "إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد"؛ أي إلى وطنه وهو مكة المكرمة، وقد ذكرت الآيات خروج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من وطنه في سبيل الدعوة في أكثر من موضع، وكان إخراجه من أرضه من الأذى الذي لاقاه في حياتِه ومن مكر المشركين به، فالإخراج من الوطن نوع من أنواع العذاب، وهذا خير مثال ودليل على حب الوطن ومشروعيته |
---|---|
هو البحر الذي شربت ملحه وأكلت من رمله | إخوتي في الله، إن ، والسعي لمصلحتها، والابتعاد عن كل ما يضر بها، والحرص على طاعة ولي الأمر ووحدة البلاد من مطالب الشريعة الإسلامية، ومن الوسائل التي تحقق الأمن الفكري لدى المسلمين، وأدلة ذلك كثيرة من كتاب الله وسنة نبيه |
كما أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن من قُتل دون أرضه فهو شهيد، وكانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تدعو الله -تعالى- فتقول: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنا المَدِينَةَ كما حَبَّبْتَ إلَيْنا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ، وانْقُلْ حُمَّاها إلى الجُحْفَةِ، اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في مُدِّنا وصاعِنا"، فهذا دليل على مشروعية حب الوطن، وغيرها الكثير من الأدلة على هذا الفعل العظيم.
16وقال الله -تعالى- على لسان نوح: {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ}، فقد بيّنت الآيات حال نوح -عليه السلام- مع قومه، وما فعلوا به حتى أمره الله -تعالى- أن يصنع السفينة بأمره، ويخرج من وطنه ومن معه من المؤمنين، وأهلك الله -تعالى- الكافرين، ودعا نوح -عليه السلام- أن يرزقه الله -تعالى- موطنًا ومنزلًا مباركًا، فهذا دليل جليٌّ على أن حب الأوطان مشروع لا محذور فيه ولا بأس | ونبي الله موسى -عليه السلام- مع قومه، الذي خرج من وطنه خوفًا على نفسه من بطش فرعون، وغيره من الأنبياء الذين فرّوا بدينهم كيونس ويوسف -عليهما السلام-، وقد قصَّ الله -تعالى- علينا قصة أصحاب الكهف الذين فرّوا من أوطانهم حفاظًا على دينِهم، وهذا رسول الله محمد -صلّى الله عليه وسلّم- يقول له الله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} |
---|---|
هُوَ الحُبُ الوَحِيدُ الخَالِي مِن الشَوَائِبِ | ويأتي دور المؤسسات التعليمية في العمل على زرع كل معاني الحب والانتماء بداخل التلاميذ والطلاب، ويأتي دور دُور العبادة في نشر المعنى الحقيقي للوطن والحفاظ عليه وعدم تخريبه والبناء لأجله، فقد حثت جميع الديانات على حب الوطن وعدم خيانته |
خواطر عن الوطن الخاطرة الأولى حب الوطن لا يحتاج لمساومة، ولا يحتاج لمزايدة، ولا يحتاج لمجادلة، ولا يحتاج لشعارات رنانة، ولا يحتاج لآلاف الكلمات، أفعالنا تشير إلى حبنا، حركاتنا تدل عليه حروفنا، وكلماتنا تنساب إليها، أصواتنا تنطق به، وآمالنا تتجه إليه، طموحاتنا ترتبط به، لأجل أرض وأوطان راقت الدماء، لأجل أرض وأوطان تشردت أمم، لأجل أرض وأوطان ضاعت حضارات، وتاريخ وتراث، لأجل أرض تحملت الشعوب ألواناً من العذاب، لأجل أرض وأوطان استمر نبض القلوب، حب ووفاء حتى آخر نبض في الأجساد، آخر جرة قلم لأجل مملكتنا، لأجل تراب مملكتنا، لأجل سمائها، وبحرها لأجل كل نسمة هواء فيها، لأجل كل روح مخلصة تتحرك عليها، لأجل كل حرف خطته أناملنا صغاراً، وخطته أقلامنا كباراً، ونطقت به شفاهنا، لأجل تقدمها، ورفعتها، لأجل حمايتها، وصونها والذود عنها، لأجل أن نكون منها، وبها ولها، وإليها مطالبون أينما كنا أن نؤدي اليمين، وأن نقسم بالله العظيم، أن نكون له مخلصين.
7