الإيضاح 1 فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ أي فإن رجع هؤلاء المشركون الذين أمرتكم بقتالهم عن شركهم بالله، إلى الإيمان به وبرسوله وأنابوا إليه وأطاعوه، فأقاموا الصلاة أي أدّوها بشروطها وأركانها، وآتوا الزكاة المفروضة فهم إخوانكم في الدين الذي أمركم به، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، وبهذه الأخوّة يزول كل ما كان بينكم من إحن وعداوات، ولا تعارف أجمل من التعارف في المساجد لإقامة الصلوات وأداء الصدقات بمواساة الغنى للفقير، وهذه المزية الدنيوية كانوا محرومين منها، إذ كان بعضهم حربا لبعض إلا ما كان من عهد أو جوار | صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث السيدة عائشة رضي الله عنها 24431 ، وأبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب في المشرك يسهم له 2734 ، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2293 |
---|---|
فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ أي فإذا كان الأمر على هذه الحال فأظهروا السرور على ما فزتم به من الجنة | وفي الحديث: « كل مأثرة من مآثر الجاهلية تحت قدمي إلا سقاية الحاج وسدانة البيت » |
ونحو الآية قوله: « قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ » ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي ثم يتوب الله بعد هذا التعذيب الذي يكون في الدنيا على من يشاء من الكافرين فيهديهم إلى الإسلام إذا لم تحط بهم خطيئات الشرك وخرافاته، ولم يختم على قلوبهم بالإصرار على الجحود والتكذيب، وهو غفور لهم يتجاوز عما سلف منهم من الكفر والمعاصي، رحيم بهم يتفضل عليهم ويثيبهم بالأجر والجزاء.
9ونوّه الله بتقواهم، وغضِّهم أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعبير عجيب: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ | ثم أكد ما يجب أن يبلّغوه بلا تأخير بقوله: فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أي قولوا لهم: فإن تبتم ورجعتم عن شرككم وعن خيانتكم وغدركم بنقض العهد وقبلتم هدى الإسلام، فذلك خير لكم في الدنيا والآخرة، لأن في هدايته سعادتكم فيهما |
---|---|
ومن أقام فرائض الله كما أمر، وترك معاصيه كما نهى، فإنه يصل بفضل الله إلى المقام الذي أشار إليه في الحديث القدسي « وما تقرب إلي عبدي بشىء أحبّ إلى مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها » رواه البخاري | يهود خيبر: تقعُ خيبر إلى الشمال من المدينة المنورة يثرب ويشكل موقعها أهمية كبيرة إذ هي مفتاح يثرب من ناحية الشمال وقد استوطنها جماعة من اليهود منذ القرون الأولى للميلاد وكانت حصونها التي أقاموها تعد أقوى حصون اليهود قاطبة في مناطق وجود اليهود بالمدينة أو حواليها وقد ازدادت قوتهم بعد أن قدم عليهم من يهود قبيلتي بني قينقاع وبني النضير بعد إجلائهم عن المدينة بسبب خيانتهم للعهد الذي بينهم وبين المسلمين، ولذلك أصبحت خيبر على هذا النحو تشكل خطراً كبيراً يتهدد المسلمين من ناحية الشمال، وزاد حقد اليهود على المسلمين بعد انتصار المسلمين في غزوة الأحزاب وبدأوا يتفاوضون مع قبيلة غطفان ويهود وادي القرى وتيماء وفدك لتكوين حلف جديد يتزعمه اليهود لحرب المسلمين ووصل ذلك للمسلمين ففاجأوا يهود خيبر قبل أن يصلوا صفوفهم بغيرهم وذلك في السنة السابعة للهجرة ودارت حرب قاسية استمات فيها الفريقان حتى أدرك اليهود أنهم خاسرون فطلبوا الصلح من رسول الله صلى الله عليه وسلّم فصالحهم وسمح لهم بالبقاء في أراضيهم التي أصبحت ملكاً للمسلمين بحكم الفتح ويأخذوا نصف الثمار مقابل عملهم إلى أن يرى المسلمون إخراجهم، ولم يلبث يهود فدك ووادي القرى وتيماء أن قبلوا الصلح مع المسلمين بمثل شروط الصلح مع خيبر |
ثم قال: أي شهر هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، ثم قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا بلى، ثم قال: أي بلد هذا، قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليست البلدة؟ قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم - وأحسبه قال - وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا لا ترجعوا بعدي ضلّالا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا هل بلّغت؟ ألا فليبلّغ الشاهد منكم الغائب، فلعل من يبلّغه يكون أوعى له من بعض من سمعه ».
الإيضاح أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً الخطاب هنا لجماعة المسلمين الذين من بينهم منافقون ومرضى القلوب يثبّطون عن القتال | فتردّد القوم فهابوا الإقدام عليهم، ثم شجُعوا عليهم، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم، وأخذ ما معهم |
---|---|
وأما النهي عن تزكية النفس في قوله: « فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى » وقوله: « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ » فذاك في تزكية النفس بدعوى اللسان فقط دون عمل يؤيدها | وإنما أمهلهم هذا العام من قبل أن فيهم أرباب عهد مع المسلمين، كان من شروطه ألا يمنع أحد الفريقين الآخر من دخول المسجد الحرام - إلى أنه كان يتعذر منع من لا عهد لهم بدون قتال في أرض الحرم، إذ لا يمكن التمييز بين المشرك والمسلم ولا المعاهد من غيره إلا بعد وصولهم إلى البيت وشروعهم في الطواف فيه |
.