{ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } في جميع أموري، بل أعبد الله مخلصا له الدين | |
---|---|
ولا قال: " أحسن بكم " بل قال " أَحْسَنَ بِي " | ومنها: أنه ينبغي للمسئول أن يدل السائل على أمر ينفعه مما يتعلق بسؤاله، ويرشده إلى الطريق التي ينتفع بها في دينه ودنياه، فإن هذا من كمال نصحه وفطنته، وحسن إرشاده، فإن يوسف عليه السلام لم يقتصر على تعبير رؤيا الملك، بل دلهم - مع ذلك - على ما يصنعون في تلك السنين المخصبات من كثرة الزرع، وكثرة جبايته |
وبالإيمان التام, يحصل تصديق القلب, بما أمر الله بالتصديق به, وتتبعه أعمال القلوب, وأعمال الجوارح, من الواجبات والمستحبات.
4إن هذا لموقف يهدّ الجبال الراسيات، وتدبير لا قبل لأشد العزائم على احتماله، فامرأة ما كرة هتكت سترها، وكاشفت نسوة بلدها بما تسر وتعلن من أمرها، ونسوة تواطأن معها على الكيد له كما كادت له من قبل بمراودته عن نفسه، ولا سبيل إلى دفع هذه الضراء، وإبعاد تلك اللأواء، إلا بمعونة من ربه، وحفظه من نزغات الشيطان وكلاءة الرحمن، ومن ثم جرى على لسانه ما أكنه جنانه: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ أي قال ربى أنت العليم بالسر والنجوى، والقدير على كشف تلك البلوى: إن السجن الذي هددت به والمكث في بيئة المجرمين على شظف العيش ورقة الحال - أحب إلى نفسي مما يدعو إليه أولئك النسوة من الاستمتاع بهن في ترف القصور، والاشتغال بحبهن عن حبك وبقربهن عن قربك | فصبر عن معصية الله, مع وجود الداعي القوي فيه, لأنه قد هم فيها, هما, تركه لله, وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء |
---|---|
إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أي ما الحكم في تدبير العالم ونظم الأسباب والمسببات إلا لله وحده | فعلى هذا, إذا وجد المسروق في يد السارق, خصوصا إذا كان معروفا بالسرقة, فإنه يحكم عليه بالسرقة, وهذا أبلغ من الشهادة |
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ أي فبدأ يوسف بتفتيش أوعيتهم التي تشتمل عليها رحالهم ابتعادا عن الشبهة وظن التهمة بطريق الحيلة.
23الإيضاح فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي فلما ذهب به إخوته من عند أبيه بعد مراجعتهم له وقد عزموا عزما إجماعيا لا تردد فيه على إلقائه في غيابة الجب، نفذوا ذلك وحينئذ أوحينا إليه وحيا إلهاميا تطييبا لقلبه وتثبيتا لنفسه: لا تحزن مما أنت فيه، فإن لك من ذلك فرجا، ومخرجا حسنا، وسينصرك الله عليهم، ويرفع درجتك، وستخبرهم بما صنعوا وهم لا يشعرون بأنك يوسف | { 101 } { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } لما أتم الله ليوسف ما أتم من التمكين في الأرض والملك، وأقر عينه بأبويه وإخوته، وبعد العلم العظيم الذي أعطاه الله إياه، قال مقرا بنعمة الله شاكرا لها داعيا بالثبات على الإسلام: { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ } وذلك أنه كان على خزائن الأرض وتدبيرها ووزيرا كبيرا للملك { وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } أي: من تأويل أحاديث الكتب المنزلة وتأويل الرؤيا وغير ذلك من العلم { فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا } أي: أدم عليّ الإسلام وثبتني عليه حتى توفاني عليه، ولم يكن هذا دعاء باستعجال الموت، { وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } من الأنبياء الأبرار والأصفياء الأخيار |
---|---|
فلم يقل: جاء بكم من الجوع والنصب | والحال, أنا ما شهدنا بشيء لم نعلمه, وإنما شهدنا بما علمنا, لأننا رأينا الصواع, استخرج من رحله |
وبعد أن بيّن سبحانه أن إخوة يوسف أساءوا إليه وصبر على تلك الشدائد حتى مكن الله له في أرض مصر، بين هنا أنه آتاه الحكم والعلم حين استكمال سن الشباب وبلوغ الأشد، وأن ذلك جزاء منه سبحانه على إحسانه في سيرته فقال عز اسمه: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْمًا وَعِلْمًا أي ولما بلغ سن رشده وكمال قوته باستكمال نموه البدني والعقلي، وهبناه حكما صحيحا فيما يعرض له من مهامّ الأمور، ومشكلات الحوادث، مقرونا بالحق والصواب، وعلما لدنيا وفكر يا بما ينبغي أن تسير عليه الأمور.
16