وكذلك لابد أن يكون الدعاء صادراً عن قلب مؤمن بالله سبحانه وتعالى مقبلٍ عليه، فالإنسان الذي يقول: "اللهم افعل إن شئت" ويعلق بالمشيئة أو نحو ذلك لا يُستجاب له، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، وليجزم أحدكم المسألة فإنه لا مُستكره له" | قال المنذري: رواه أحمد والبزار وأبو يعلى بأسانيد جيدة، و الحاكم، وقال: صحيح الإسناد |
---|---|
وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: "كان الربيع يأتي عَلقَمة يَوم فإِذا لَم أَكن ثَمة أرسلوا إليَّ | فإذا فعلت ذلك فيجب عليك رد الأموال لأصحابها والرجوع لله تعالى والإكثار من الإستغفار |
قال الإمام القرطبي رحمه الله: "قوله تعالى: { فَادْعُوهُ بِهَا} أي اطلبوا منه بأسمائه، فيُطلَب بكل اسم ما يليق به، تقول: يا رحيم ارحمني، يا حكيم احكم لي، يا رازق ارزقني، يا هادي اهدني، يا فتَّاح افتح لي، يا تَّواب تُب عليّ، وهكذا.
وتوسُّل نبي الله يوسف عله السلام بالافتقار إلى الله ليصرف عنه كيد امرأة العزيز: { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ | ويؤيد هذا الأحاديث التي وردت في إجابة دعوة الصائم عمومًا وعند فطره خصوصًا |
---|---|
ومنها كذلك أن يتوخى فيه الأوقات التي هي مظنة لاستجابة الدعاء كأدبار الصلوات المكتوبات، وكالثلث الأخير من الليل، وغير ذلك فيعقوب عليه السلام لما سأله أولاده أن يدعو لهم أخر ذلك قال: { سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم}، فوعدهم أن يستغفر لهم وهو ينتظر الثلث الأخير من الليل، وسواء كان ذلك في أثناء الصلاة أو في غيرها، لكن أرجى أوقات الدعاء في الصلاة هو ما كان في السجود، أما أدبار الصلاة فالمقصود بها ما بعد السلام، والإنسان ما زال في مصلاه الذي صلى فيه والملائكة تستغفر له: " اللهم صلِّ عليه، اللهم ارحمه"، فهذا يستجاب فيه دعاؤه إن شاء الله | فالواجب الحذر، الواجب على المسلم الحذر من أكل الحرام، من ظلمه للناس، من سرقته أموال الناس، أكل الربا، الغش في المعاملات، الكذب في المعاملات، إلى غير ذلك من أسباب المكاسب الحرام |
وعَنْ فَضَالَةَ بن عُبَيْدٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « اللَّهُمَّ مَنْ آمَنَ بِكَ وَشَهِدَ أَنِّي رَسُولُكَ، فَحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَكَ، وَأَقْلِلْ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَ وَيَشْهَدْ أَنِّي رَسُولُكَ، فَلا تُحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَلا تُسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَكَ، وَأَكْثِرْ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا» صحيح.
16وقال الضحاك بن قيس: "اذكروا الله في الرَّخاء، يذكركُم في الشِّدَّة، وإنَّ يونس عليه السلام كان يذكُرُ الله تعالى، فلمَّا وقعَ في بطن الحوت، قال الله عز وجل: { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ | ونظير هذا أن تقول: عندي مائة درهم أعددتها للصدقة فلا ينافي أن يكون عندك دراهم أخرى أعددتها لغير |
---|---|
تقتضي ميلَ إلى الله بالكلية، والانقطاع إليه، والأُنس به، والطمأنينة بذكره، والحياء منه، والهيبة له، وهذه المعرفة الخاصة هي التي يدور حولها العارفون، كما قال بعضهم: "مساكينُ أهلُ الدُّنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيبَ ما فيها، قيل له: وما هو؟ قال: معرفةُ الله عز وجل" | « فَقَالَ لِلمَلِكِ: إنَّكَ لَسْتَ بقَاتلي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ |
فَقَالَ: « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ» فَقَرَأْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا، ثُمَّ قَالَ: « قُلْ» ، قُلْتُ: مَاذَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: « قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» » فَقَرَأْتُهَا حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ ذَلِكَ: « مَا سَأَلَ سَائِلٌ بِمِثْلِهِمَا، وَلاَ اسْتَعَاذَ مُسْتَعِيذٌ بِمِثْلِهِمَا» حسن صحيح.