إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار أي : لا تغمض من هول ما ترى في ذلك اليوم ، وقيل : ترتفع وتزول عن أماكنها أيها المسلمون وإذا كانت الآيات تخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم ، فمن المعلوم والمؤكد أن الرسول — صلى الله عليه وسلم — لا يحسب الله غافلاً عما يعمل الظالمون، ولكنّ ظاهر الأمر يبدو هكذا لبعض من يرون الظالمين يتمتّعون، ويسمعون بوعيد الله، ثم لا يرون واقعاً بهم في هذه الحياة الدنيا، فهذه الصيغة تكشف عن الأجل المضروب لأخذهم الأخذة الأخيرة التي لا إمهال بعدها، ولا فكاك منها ،أخذهم في اليوم العصيب الذي تشخص فيه الأبصار من الفزع والهلع، فتظلُّ مفتوحةً، مبهوتة، مذهولة، مأخوذة بالهول لا تطرف ولا تتحرك
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " لا أجد الساعة"، الآن ليس عندي شيء لأقضيك إياه، وقد كان النبي -صلوات ربي وسلامه عليه- ربما اقترض من بعض الناس دابة لحرب، أو اقترض طعاما يزوده أصحابه في جيش، أو ما شابه ذلك

سبب نزول قوله تعالى «ولا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمّا يعملُ الظّالمونَ»

وربما ابتلي بعض الظالمين في جسده بأمراض، وابتلي في أولاده بعقوق، وابتلي بفضيحة، وابتلي في عرضه، يحتال أحد على ابنته، أو يحتال على زوجته، ويقول أحيانا في نفسه: يا أخي أنا أولادي لا أدري لماذا هم فاسدون، لماذا هم لي عاقون؟ يا أخي لماذا كلما عالجت مرضا من جسدي ظهر لي مرض آخر؟ يا أخي لا أدري لماذا تجاري أنا غير موفق فيها؟ يا أخي لماذا المشاكل كثيرة علي؟! إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ يقول تعالى ذكره: إنما يؤخر ربك يا محمد هؤلاء الظالمين الذين يكذّبونك ويجحَدون نبوّتك ، ليوم تشخص فيه الأبصار.

18
«وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ»
ومن جملة ذلك مشاهدة هول أحوال الظالمين
ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عليّ بن ثابت ، عن جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران في قوله وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ قال: هي وعيد للظالم وتعزية للمظلوم
شرح قول الله تعالي
وفي وصية النبي عليه السلام لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - عندما بعثه إلى اليمن: "اتَّقِ دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب"
ليوم تشخص فيه الأبصار أي لا تغمض من هول ما تراه في ذلك اليوم ، قاله الفراء أما بعد: أيها الإخوة الكرام: فكما ربنا -جل في علاه- قد حرم الظلم وتوعد الظالمين فإنه -جل وعلا- أمر بنصرة المظلومين، أمر بنصرتهم من خلال الوقوف معهم بالقوة والجسد، وأمر بنصرتهم من خلال الكتابة معهم، من خلال إيصال صوتهم إلى مَن ظلمهم، من خلال فضيحة الظالمين وإظهار عوارهم وكشف أستارهم، فإنه ينبغي أن يحارب الظلم بقدر المستطاع حتى يرفعه الإنسان عن هؤلاء المظلومين
قال ابن حجر -رحمه الله تعالى-: " اجمع العلماء على أن نصرة المظلوم فرض كفاية"، إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، ثم قال: وإذا تعين نصرة المظلوم على شخص معين وجب عليه أن ينصره؛ فإن لم يفعل كان مشاركا للظالم في هذا الظلم" لما يكون عندك مائة ألف ويمضي عليه سنة فإن حقك فقط سبعة وتسعون وخمسمائة بس وألفين وخمسمائة ليست حقك هي حق لغيرك انتقلت إليه

ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون اعراب

قيل له: كيف؟ قال: إذا ظلموا وبغوا انقطع القطر من السماء؛ فماتت جوعا وعطشا، فلا تزال تلعنهم، وهو قول الله -جل في علاه-: أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ.

29
ولا تحسبن الله غافلاً
ما الذي يبكيه في حياته، وهو في متعة تتلوها متعة؟ بكى! ليس لأنها ظلمت فقيرا له عيال، ولا ظلمت امرأة مسكينة، أو ظلمت طفلا صغيرا، أو ظلمت شعبا بأكمله؛ لا، فقط في هرة! تأملت في حال هذه الدنيا: أفرادِها، وجماعاتِها، وشعوبها، وحكّامِها ودُوَلها
سبب نزول قوله تعالى «ولا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمّا يعملُ الظّالمونَ»
قال: " حتى إذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم ثم طرحت عليه، ثم طرح في النار"
خطبة عن قوله تعالى : (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ )
وجاءت هذه الآية شفاء لقلوب المؤمنين الموحّدين، وجبرًا لخواطر المكلومين في زمن كُثر فيه الظلم والعدوان، وتداعتْ علينا أذلّ وأحقر أمم الأرض! وقال -عليه الصلاة والسلام- مبينا ليس فقط تحريم الظلم، لا، بل مبينا -صلوات ربي وسلامه عليه- كيف أن الله -تعالى- إذا حكم بين العباد لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا حاسبهم عليها وأحصاها عليهم، قال: " أتدرون مَن المفلس؟"، قالوا: المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع، قال: " المفلس مِن أمتي مَن يأتي يوم القيامة"، وليستمع إلى هذا كل ظالم، ليستمع إليه الذين يظلمون الناس في أموالهم أو في أراضيهم أو في بناتهم أو في أعراضهم أو في غير ذلك، ليستمعوا إليه!
وفي حديث البراء -رضي الله عنه- قال: " كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا بسبع، فأمرنا بإفشاء السلام، وأمرنا بنصرة المظلوم"، أمرنا بأن نقف مع المظلوم إذا كان المظلوم موظفا زميلا لك فقف معه وجوبا، وإذا كانت زوجة أو جارة أو امرأة ضعيفة وجب على مَن كان قادراً على أن ينصرها أن يقوم بنصرتها المجرمون مقرّنون: أي أنَّ أيديهم وأرجلَهم قُرنتْ إلى رقابهم بالقيود والأغلال
فليس في هذا, ما يدل على حسن حالهم فإن الله يملي للظالم ويمهله, ليزداد إثما حتى إذا أخذه, لم يفلته " وأَنَّ تَأْخِير الْعَذَاب لَيْسَ لِلرِّضَا بِأَفْعَالِهِمْ بَلْ سُنَّة اللَّه إِمْهَال الْعُصَاة مُدَّة والظلم - ههنا - يشمل الظلم فيما بين العبد وربه, وظلمه لعباد الله اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان

سبب نزول قوله تعالى «ولا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمّا يعملُ الظّالمونَ»

بل هو -سبحانه وتعالى- يراهم ويسمعهم ويبصر حالهم، ويعلم ما في قلوبهم، وهو القادر وحده على نصرتهم: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ.

شرح قول الله تعالي
قال: " المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بأعمال كالجبال"، يأتي وعنده صلاة ليل، وعنده صدقات، وعنده عمرة، وعنده حج، وعنده بناء مساجد، وعنده كفالة أيتام؛ وربما يمر الناس بمسجده ويقرؤون اسمه عليه، وربما بدار أيتام ويقرؤون اسمه عليها، وربما يوزع على الناس كتباً طبعت على نفقة فلان، وربما قنوات فضائية تبجله، أو مواقع انترنت تبجله
شرح قول الله تعالي
فقال - تعالى - : وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً
شرح قول الله تعالي