مسجد أحبّاء الله، ومصلّى ملائكة الله، ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنّة
الدنيا أحياناً تُطلق على نشأة الوجود النازلة والتي هي دار تصرّم وتغيّر ومجاز، والآخرة تُطلق على الرجوع من هذه النشأة إلى ملكوت الإنسان وباطنه والتي هي دار بقاء وخلود وقرار ولو بقي آدم عليه السلامفي ذلك الانجذاب الإلهيّ، ولم يرد إلى عالم الملك، لما بسطت كلّ هذه الرحمة في الدنيا والآخرة

حب الدنيا

ولكن لما غلبت عليها الشهوات والحظوظ والغفلة، والإعراض عن الله والدار الآخرة، فصار هذا هو الغالب على أهلها وما فيها، وهو الغالب على اسمها، صار لها اسم الذم عند الإطلاق وإلا فالدنيا مبنى الآخرة ومزرعتها, ومنها زاد الجنة, وفيها اكتسبت النفوس الإيمان ومعرفة الله, ومحبة الله وذكره وابتغاء مرضاته.

25
حب الدنيا رأس كل خطيئة
فالممدوح هو الحصول في هذه النشأة - وهي دار التربية ودار التحصيل ومحلّ التجارة - على المقامات واكتساب الكمالات والإعداد لحياة أبدية سعيدة، وهي أمور لا يُمكن الحصول عليها دون الدخول إلى هذه الدنيا، كما جاء في خطبة لمولى الموحّدين أمير المؤمنين علي عليه السلام ردّاً على من ذمّ الدنيا حيث قال: "إنّ الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزوّد منها، ودار موعظة لمن اتّعظ بها
حب الدنيا رأس كل خطيئة
إنّ الوقوع في الكثرة ونشأة الظهور والاشتغال بالتدبيرات الملكية بل حتى التأييدات الملكوتية، يُعدّ كلّ ذلك بالنسبة للمحبّين والمنجذبين، ألماً وعذاباً ليس بمقدورنا أن نتصوّرهما
أحاديث عن حب الدنيا
الخطبة الثانية: الحمد لله على ترادف آلائه ونعمائه، والشكر له على سابغ فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
إنّ الإنسان كلّما كثر ملكه وملكوته، وكلّما نال من الكمالات النفسية أو الكنوز الدنيوية، أو الجاه والسلطان، ازداد اشتياقه، ونار عشقه التهاباً ولا يكون البحث عن حقيقتها على ضوء المصطلحات العلمية بمهمّة، فإنّ بذل الجهد في فهم الاصطلاحات، والردّ والقبول، والجرح والتعديل يحول دون بلوغ القصد
فعن الإمام عليّ عليه السلام أنه قال: "والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه"8 ولكن العاقل البصير يعرف جيّداً أنّ هذه الدنيا ما هي إلا كمال محدود وفان، وإذا انشغل المرء فيها لم تزده إلا حاجة وفقراً، حتى يتشتّت أمره ويضطرب حاله، ويستولي عليه الغمّ والحسرة واليأس خوفاً من فقدها وأملاً ببقائها

كلمات شيرين أحمد

وعليه فإنّ عالَم الملك، وهو مظهر الجمال والجلال وحضرة الشهادة المطلقة، ليس مذموماً بهذا المعنى، بل المذموم هو دنيا الإنسان نفسه، أي التوجّه إليها والتعلّق بها وحبّها، وهذا هو منشأ كلّ المفاسد والخطايا القلبية والظاهرية، كما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: "رأس كلّ خطيئة حبّ الدنيا"6.

4
حب الدنيا
فأهل الدنيا توهّموا أن ما تصبو إليه فطرتهم من كمال موجود في هذه الدنيا، فانكبّوا لتحصيلها وتعميرها
شبكة المعارف الإسلامية :: حب الدنيا
وهذا من فطرة الله التي فطر الناس عليها
شبكة المعارف الإسلامية :: حب الدنيا
وبهذا الحبّ للكمال، تتوفّر إدارة الملك والملكوت وتتحقّق أسباب وصول عشّاق الكمال المطلق إلى معشوقهم