القاعدة الرابعة : إن الأثر دليل على وجود المؤثر ، كدلالة المعلول على علته ، كما هو المعروف حتى في الأمثال الشائعة ، مثل مقولة الأعرابي : " البعرة تدل على البعير ، و أثر القدم يدُّل على المسير " و هذه الدلالة مما لا يختلف فيها المادّي و الإلهي | و هذا أمر واضح لا يحتاج إلى نقاش ، كما أن العكس صحيح أيضا ، فلو حصلنا على كتاب قد اُلِّفَ بصورة رديئة و مغلوطة و غير مترابطة ، علمنا بان مؤلف ذلك الكتاب إنسان غير محظوظ في دراسته و غير موفق لما تناوله من البحوث العلمية و إن مستواه العلمي و اطئ و بسيط |
---|---|
والجهل بالله تعالى وبأسمائه وصفاته وحقه على العباد مما ينافي الشهادة بأن لا إله إلا الله ، وأول شرط من شروطها هو العلم ، فَمن تلفظ بهَا وَهُوَ لَا يعرف مَعْنَاهَا ومقتضاها فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعهُ لِأَنَّهُ لم يعْتَقد مَا تدل عَلَيْهِ كَالَّذي يتَكَلَّم بلغَة لَا يفهمها |
أنواع التفكر التفكر نوعان النوع الأول :تفكر غير نافع لأصحابه, وهو تفكر بعض الكفار في مخلوقات الله الكونية, فهم وإن تفكروا في عظيم مخلوقات الله جل جلاله, فتفكرهم تفكر مادي, الغاية منه ما يفيد في الدنيا, فلا يقودهم تفكرهم إلى ما ينفعهم في الآخرة, فكل ملحد أو شاك فلن ينفعه تفكره إن وجد منه, يقول الله عز وجل : } وفي الأرض آيات للموقنين { قال العلامة العثيمين رحمه الله : } للموقنين { أي: لمن أيقن بوجود الله عز وجل وعظمته وجلاله, أما من شك- والعياذ بالله — فإنه لن ينتفع بهذه الآيات النوع الثاني : التفكر النافع وهو التفكر الذي يؤدي بصاحبه إلى بأمور منها: معرفة عظمة الله عز وجل قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: سرنا على طريق خبير فرأيت من الجبال الهائلة والطرق العجيبة ما أذهلني وزادت عظمة الخالق عز وجل في صدري فصار يعرض لي عند ذكر تلك الطرق نوع تعظيم لا أجده عند ذكر غيرها فصحت بالنفس: ويحكِ اعبري إلى البحر وانظري إليه وإلى عجائبه بعين الفكر تشاهدي أهوالاً هي أعظم من هذه, قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : في خلق السموات والأرض آيات.
11ومن أهم ما يمكن الرجوع إليه أيضا الأفلام الوثائقية التي عرضتها قناة المجد الوثائقية ، أو القنوات المحافظة الأخرى ، والتي خصصت لعرض عجائب المخلوقات بالصوت والصورة والحركة والتقرير العلمي المختص ، فما ورد فيها يبعث في نفس المشاهد الغاية في إدراك أسرار الخلق والاستدلال بها على عظمة الخالق ، والانتقال من آيات الكون المنظور إلى عظمة الخالق الفاطر جل وعلا | و كذلك إذا كان الكتاب الذي حصلنا عليه ديواناً شعرياً عرفنا بان المؤلف لا بد و إن يكون أديبا و شاعراً ذو معرفة باللغة و النحو و الصرف و ما إليها من العلوم التي يحتاج إليها الشعراء و الأدباء |
---|---|
وهذه بعض المقترحات العملية التي يمكن أن تساعد في تنمية عبادة التفكُّر: 1- استغلال الأوقات الذهبية ومواسم الطاعات: تتميز تلك الأوقات الذهبية: كـ أوقات السَّحر ومواسم الخير في والعمرات بأنها توفر البيئة المثلى لكثير من أنواع التفكُّر، وتجتمع في تلك الأوقات الشريفة من مُعِينات التفكُّر ما لا يجتمع في غيرها؛ فهي فرصة لاجتماع شتات القلب وحضوره، وفيها يضعف أثر الشواغل وتزداد النفس إقبالاً وتكون أيسر في الاستجابة لنداء التفكُّر | وما يمكن أن ننصحك بالاطلاع عليه ، والعناية بقراءته والتأمل فيه ، وتكرار التباحث بمضمونه والحوار حوله ، الكتب الآتية : 1 |
وفي بعض الآثار بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى السماء والنجوم فقال.
9الثاني : وجود ترتيب و تناسق دقيق بينها ، يجعل التعاون و التفاعل فيما بينها ممكنا | وحين يسرح بفكره في رياض ؛ فيرى بعين قلبه أنهارها وغلمانها وحورها؛ فيهيج في قلبه حب لقاء ربه وتتفجر في نفسه طاقة عظيمة تقوي عزمه في طَلَب رضاه ويستعذب معها مكابدة الطاعة، وحين ينقل بصره تِلقاء أهل ويعاين ما هم فيه من بؤس وشقاء، ويرى ما لحقهم من توبيخٍ وحسرةٍ وندامة، يذوب قلبه كمدًا على ما فرَّط |
---|---|
الخطبة الثانية الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد: أيُّها الناس، وكما يجب علينا أن نتفكر في آيات الله الكونية، فكذلك يجب علينا أن نتفكر في آياته القرآنية، يجب علينا أن نتدبر القرآن وأن نتفكر بما فيه من المعاني والمقاصد الإلهية والأوامر والنواهي، فإن القرآن أعظم حجة لله جلَّ وعلا على عباده ما أنزل من أجل أن نتغنى به فقط أو نحسن أصواتنا بتلاوته ونلذذ أسماعنا ونلذذ الآخرين بالتلاوة، إنما أنزل لتتدبر والعمل بما فيه وهو حجة لنا إذا عملنا به، أو حجة علينا إذا أهملناه ولم نلتفت إليه | ويدخل في الانقياد والطاعة الذي تثمره المعرفة بالله الحكم بما أنزل الله والكفر بالطاغوت ، فمن عرف الله تعالى ، وانقاد لطاعته ، آمن بأنه أحكم الحاكمين ، وأيقن بأنه لا أحسن منه حكما ، فإنه يحكم بما أنزل الله تعالى ويكفر بالجبت والطاغوت ، وينبذ القوانين والأنظمة المخالفة لحكم الله ، قال { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ، قال الإمام الطبري رحمه الله ومَنْ هذا الذي هو أحسن حكمًا، أيها اليهود، من الله تعالى ذكره عند من كان يوقن بوحدانية الله، ويقرُّ بربوبيته؟ يقول تعالى ذكره: أيّ حكم أحسن من حكم الله، إن كنتم موقنين أن لكم ربًّا، وكنتم أهل توحيدٍ وإقرار به؟ |
وقال وهب بن منبه رحمه الله : ما طالت فكرة امرئ قط إلا فهم, ولا فهم امرؤ قط إلا علم, ولا علم امرؤ قط إلا عمل.
23